تقديم وثيقة الاستقلال في 11 يناير 1944 يشكل حدثًا فارقًا وفاعلًا في سجل الكفاح الوطني، حيث سعت الوثيقة إلى تحقيق الحرية والاستقلال، وتحقيق السيادة الوطنية وتعزيز الوحدة الترابية. يتسم الإعلان بأهميته التاريخية والرمزية، كما أشار بلاغ مندوبية القدماء المقاومين وأفراد جيش التحرير إلى أن هذا الحدث يظل ذكرى مجيدة تميز مراحل الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال، وتحقيق السيادة الوطنية والوحدة الترابية. تُشكل هذه الذكرى الوطنية جزءًا من التراث التاريخي، حيث تثير ذاكرة الأجيال المتعاقبة معانيها العميقة والرموز الوطنية التي أظهرت قوة الوعي الوطني وتلاحم العرش مع الشعب في الدفاع عن المقدسات الدينية والقيم الوطنية، مما يمثل رؤية استشرافية نحو مستقبل واعد.
بكل فخر واعتزاز، وفي إطار جو التحفيز الوطني الشامل تحت إرشادات القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس، يحيي الشعب المغربي ومعه أفراد الأسرة الوطنية والمقاومة والجيش التحرير، يوم الخميس 11 يناير 2024، الذكرى الـ80 لحدث تاريخي بارز وثابت في ذاكرة الوطن، وهو تقديم وثيقة الاستقلال في 11 يناير 1944. يحتفي المغاربة بهذه الذكرى باعتزاز واحترام عميق تجاه رموز الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، مُجسدين بذلك الولاء والاعتزاز بتضحيات أبناء الوطن الذين صنعوا بطولاتهم بروح وطنية عالية وإيمان قوي، متحدين بوضوح وعدالة قضيتهم في تحرير الوطن، وقد قدموا أغلى ما يملكون في سبيل تحقيق الاستقلال والحفاظ على الكرامة والعزة من أثر الاستعمار.
على مر تاريخها العريق، ظلت المملكة المغربية تتحدى طموحات الجشعين بقوة وإصرار، حيث قفزت في وجه التحديات لتحمي وجودها ومكوناتها وهويتها ووحدتها. لم تدخر الجهد في الحفاظ على تماسكها، متحملة عبء التضحيات لمواجهة الاحتلال الأجنبي الذي انتشر على أراضيها منذ بدايات القرن الماضي. تم تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ تحت سيطرة الحماية الفرنسية وسط المغرب، والحماية الإسبانية في الشمال، واستعمار الأقاليم الجنوبية، في حين أُديرت منطقة طنجة وفقًا لنظام دولي.
هذا التشويش والتفتت والتجزئة في هيكل الوطن، قد جعل مهمة تحقيق الاستقلال والتحرير الوطني أمرًا صعبًا ومعقدًا للغاية. تطلب هذه المهمة تضحيات جسيمة من قبل الحكومة والشعب، حيث تم تكريس الجهود والتضحيات في إطار صراع طويل ومتنوع الأوجه لتحقيق الحرية والتخلص من قيود الاستعمار بكل تنوعها وأشكالها. بدءًا من الانتفاضات الشعبية إلى المواجهات العسكرية في مناطق البحر الأبيض المتوسط والمناطق الشمالية والجنوبية، وصولاً إلى مراحل النضال السياسي مثل مقاومة ما سمي بالظهير الاستعماري التمييزي في 16 مايو 1930، وتقديم المطالب الإصلاحية والعاجلة للشعب المغربي في 1934 و1936، وإلى تقديم وثيقة الاستقلال في 11 يناير 1944.
خلال هذه الفترات التاريخية، قام جلالة الملك الراحل محمد الخامس، الذي وُصف بأب الأمة وبطل التحرير والاستقلال، بجهود كبيرة لإشعال روح الوطنية وتوجيه مسارها وتحديد أهدافها منذ توليه العرش الذي تاريخ أسلافه المبارك في 18 نونبر 1927. حمل الملك المجاهد علم المقاومة والتضحية، وقام بتجسيد إيمان شعبه بالتحرير وعزيمته نحو الاستقلال، حيث أعرب في خطبه التاريخية عن تطلعات الشعب المغربي نحو الحرية والاستقلال، وأكد تمسك المغرب بقيمه وثوابته الأصيلة، متحدياً أي محاولات لتشويه الهوية الوطنية والشخصية المغربية.
تواصلت المسيرة الوطنية للكفاح بقيادة جلالة المغفور له محمد الخامس، رحمه الله، حيث استغل فرصة انعقاد مؤتمر آنفا التاريخي في يناير 1943 لطرح قضية استقلال المغرب وإنهاء نظام الحماية. تذكرنا هذه اللحظة بالجهود والتضحيات التي قدمها المغرب لدعم الحلفاء خلال حربهم ضد النازية وللمساهمة في تحرير أوروبا من الاحتلال النازي. وقد أيد هذا الطموح الرئيس الأمريكي الحين "فرانكلان روزفلت"، الذي اعتبر أن رغبة المغرب في تحقيق استقلاله واستعادة حريته كانت طموحًا معقولًا ومشروعًا.
تماشيًا مع مبدأ حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، شهدت المطالب المغربية تحولًا نوعيًا يعكس تطورًا في طبيعتها ومضمونها، حيث انتقلت من المطالب بالإصلاحات إلى المطالبة بالاستقلال. وكان لهذا التحول تأثيرات على العلاقات بين السلطات الفرنسية والحركة الوطنية في المغرب. كان الراحل جلالة الملك محمد الخامس، قائد التحرير والاستقلال، ملهمًا للحركة بإيمان عميق وعزيمة راسخة وثبات على المبادئ والقيم الوطنية.
في هذا السياق، ازدادت الاتصالات واللقاءات بين القصر الملكي وزعماء الحركة الوطنية وجيش التحرير، حيث نشأت فكرة تقديم وثيقة تطالب بالاستقلال بتأثير من جلالة الملك الراحل. بدأ الوطنيون في إعداد هذه الوثيقة التاريخية بتنسيق دقيق مع جلالته، وتوافقوا على مضمونها.
رحم الله الملك الراحل كان يوجه الوطنيين بحكمته السياسية، وساهم في إثراء الوثيقة التاريخية وضمان تمثيلها لجميع فئات المجتمع والتيارات السياسية في البلاد. بعد صياغتها النهائية، قدموا الوثيقة إلى السلطات الفرنسية ووزعت نسخ منها في القنصليات الأمريكية والبريطانية، وتم إرسال نسخة إلى ممثلية الاتحاد السوفياتي آنذاك.
واحتوت وثيقة المطالبة بالاستقلال على مجموعة من المطالب السياسية والمهام النضالية، منها سعي المغرب للاستقلال تحت قيادة الملك الشرعي محمد بن يوسف، والجهود لضمان الدعم من الدول المعنية، وانضمام المغرب إلى الدول المؤيدة لوثيقة الأطلسي، والمشاركة في مؤتمر الصلح. كما اشتملت على جوانب داخلية، مثل دعم الملكية لحركة الإصلاح وإقامة نظام سياسي شوري يحافظ على حقوق وواجبات جميع فئات المجتمع المغربي.
في سياقها التاريخي والظرفي الذي أُصدرت فيه، كانت وثيقة المطالبة بالاستقلال تجسيدًا لثورة وطنية بكل معانيها ومقاييسها. أعكست هذه الوثيقة وعي المغاربة ونضجهم، وقدمت دليلاً وبرهانًا على قوتهم وإرادتهم للدفاع عن حقوقهم المشروعة، وتقرير مصيرهم، وإدارة شؤونهم بأنفسهم. رفضوا الانحناء لإرادة المستعمر وأكدوا عزمهم على مواصلة النضال ضد النفوذ الأجنبي، حتى تحققت النصر بفضل ملحمة العرش والشعب المجيدة.
تستغل أسرة الحركة الوطنية والمقاومة، وجيش التحرير، هذه المناسبة الوطنية لتجديد ولائها وإخلاصها للعرش العلوي المجيد. تؤكد استعدادها الكامل وتعبئتها الشاملة تحت قيادة الحكمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، للدفاع عن وحدة التراب وتثبيت السيادة الوطنية على الأقاليم الجنوبية المسترجعة. كما تعبر عن دعمها اللامشروط للمبادرة المغربية التي تهدف إلى منح حكم ذاتي واسع للأقاليم الجنوبية المسترجعة، مشيرة إلى أن هذا المشروع يتسق مع الشرعية الدولية ويحظى بدعم المجتمع الدولي. يُعتبر هذا المشروع آلية ديمقراطية لحل النزاع في المنطقة، ويحظى بدعم المراقبين والمحللين الدوليين.
الأجيال الصاعدة من الشباب بحاجة إلى استمداد إلهامها من أفعال وتضحيات الأسلاف.
داعب المندوب السامي لقدماء المقاومين وأفراد جيش التحرير، مصطفى الكثيري، يوم الأربعاء في مكناس، الجيل الجديد من الشباب للاستلهام من أمجاد وتحديات الأجداد، وأكد على أهمية تذكيرهم بالتاريخ العظيم للمملكة بهدف تعزيز هويتهم وحبهم للوطن.
أشار السيد الكثيري خلال فعالية تخليدية للذكرى ال80 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير، إلى أن جميع الفاعلين ملزمون بتعزيز التراث التاريخي الوطني في نفوس الشباب، وذلك من خلال استيعاب القيم التي اتسم بها الأجداد في مواجهة الاستعمار من أجل الحرية والتحرير.
وفي سياق آخر، أكد السيد الكثيري، وهو يخاطب تلاميذ المدارس في العاصمة الإسماعيلية، أن غرس قيم المواطنة والهوية الوطنية يمثل جوهريًا في تطوير رأس المال البشري، وشدد على أهمية الجهود التي تبذلها المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأفراد جيش التحرير في الحفاظ على الذاكرة الوطنية.
أكد على أن تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال يشكل نقطة تحول في مسلسل النضال الوطني الذي قاده الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي، ويعكس أيضًا التلاحم التاريخي بين السلطان محمد بن يوسف والحركة الوطنية والشعب في الدفاع عن القيم الدينية والثوابت الوطنية للمملكة.
وفقًا للمنظمين لهذه التظاهرة الوطنية التي حضرها عامل عمالة مكناس عبد الغني الصبار، تُعَدُّ هذه الفرصة فرصة لتكريم رجال ونساء الحركة الوطنية والمقاومين وجيش التحرير الذين آمنوا بعدالة القضية الوطنية وضحوا بأرواحهم وأجسادهم من أجل تحرير البلاد من الاستعمار والدفاع عن الحرية والكرامة الوطنية.
توج هذا اللقاء، الذي نظم بالتعاون مع المديرية الإقليمية للتربية الوطنية والجماعة الحضرية ومجلس عمالة مكناس، بتقديم مجموعة من العروض الفنية من قبل تلامذة بعض المؤسسات التعليمية بالمدينة، إضافة إلى توزيع أوسمة ومساعدات مالية على بعض أسر المقاومين.
وبهذه المناسبة أيضاً، تم الكشف عن لوحات رخامية تحمل أسماء بعض الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال، والتي سيتم وضعها في ثلاثة شوارع بالمدينة، من بينهم ادريس محمادي ومحمد بن علال الغازي ومحمد بنعزو. تأتي هذه المبادرة ضمن إطار تنفيذ اتفاقية الشراكة الموقعة مع الجماعة الحضرية لمكناس.
في الصحف المصرية التي صدرت يوم الخميس، كرست مساحة كبيرة لاحتفال الشعب المغربي بالذكرى الرابعة والسبعين لتقديم وثيقة الاستقلال في 11 يناير.
وصفت هذه الصحف هذه الذكرى بأنها "محطة مشرقة" في مسلسل الكفاح الوطني الذي قاده الشعب المغربي بقيادة المغفور له محمد الخامس من أجل تحقيق الحرية والاستقلال.
وفي تقرير خاص، ذكرت جريدة "الأهرام" أن تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال كان له تأثير عميق في مختلف مناطق المملكة المغربية، حيث أعقبتها صياغة عرائض التأييد وتجمعت جمواً غفيرة في الشوارع في مظاهرات تأييد، أبرزها مظاهرة 29 يناير 1944 التي كانت محل مواجهات مع القوات الاحتلالية أسفرت عن سقوط العديد من الشهداء.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بفضل هذه البطولة، تحققت آمال الأمة المغربية في عودة محمد الخامس، بطل التحرير، الذي كان رمزاً للمقاومة أثناء فترة منفاه التي فرضتها السلطات الاستعمارية، حاملاً راية الحرية والاستقلال، ومعلنًا الانتقال من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر من أجل بناء مستقبل حر ومستقل للمغرب.
من جهتها، ذكرت جريدة "روز اليوسف" في تقرير مماثل أن الشعب المغربي خاض مواجهات ومعارك مع الوجود الاستعماري قبل صياغة هذه الوثيقة التاريخية من قبل رموز الحركة الوطنية المغربية.
وأضافت أن كل هذه المعارك قامت بتشكيل "محطات مهمة" استفادت منها الحركة الوطنية من خلال تنظيم نفسها وتعزيز قواعدها بإشراف جلالة المغفور له محمد الخامس. تمثل هذه المحطات في تحفيز المواطنين وتعزيز الولاء الوطني لديهم، وذلك في إطار النضال من أجل تحقيق الحرية والاستقلال.
وفيما يتعلق بصحيفة "البلاد"، سجلت في تاريخ مثل هذا اليوم من عام 1944 تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال إلى السلطان محمد الخامس، طيب الله ثراه. تم تقديم نسخة من هذه الوثيقة للإقامة العامة ولممثلي الولايات المتحدة وبريطانيا في الرباط، بالإضافة إلى إرسال نسخة إلى ممثل الاتحاد السوفيتي آنذاك. وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الحدث المهم تزامن مع الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على أراضيه، وتواصلت مسيرة النضال الوطني بقيادة الملك المجاهد محمد الخامس.
من ناحيتها، أفادت صحيفة "المصري اليوم" أن اللحظة التاريخية الحاسمة، التي أبرزت ذكاء الحركة الوطنية في مواجهة الاستعمار وأكدت تلاحم العرش والشعب، جاءت من خلال قرار جميع القوى الوطنية بالمشاركة في النضال السياسي من أجل استقلال المملكة المغربية.
أبرزت وكالة أنباء البحرين أهمية وثيقة المطالبة بالاستقلال في مسار الكفاح الوطني المغربي بطريقة لافتة.
وفي مقال نُشر يوم الأربعاء تحت عنوان "عريضة 11 يناير 1944 التي طالبت باستقلال المغرب"، قامت الوكالة بتسليط الضوء على أهمية هذه الوثيقة التي تعبر عن رغبة الشعب المغربي في تحقيق الحرية والاستقلال وضمان السيادة الوطنية والوحدة الترابية.وأوضحت الوكالة أن تقديم هذه الوثيقة في الذكرى الـ80 لها يمثل للأجيال الجديدة مصدر فخر وإلهام، ويعد حدثًا محوريًا في مسار الكفاح الوطني. كما أشارت الوكالة إلى أن هذه الفعالية جاءت تزامنًا مع اعتراف دولي بسيادة المغرب على أراضيه، واستمرار الجهود الرائدة بقيادة الملك محمد السادس نحو تعزيز الوحدة الترابية وتحقيق المزيد من التقدم التنموي والوطني.
وفي سياق متصل، نظم المجلس العلمي المحلي لأوسرد والنيابة الإقليمية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بوادي الذهب ندوة علمية تحت عنوان "وثيقة المطالبة بالاستقلال وتحقيق الوحدة". شكلت هذه الندوة فرصة للتأمل في سياق الدعوة للاستقلال والدلالات التي تحملها هذه الوثيقة الوطنية الهامة. وأكد المتحدثون خلال الفعالية أهمية تخليد الذكرى الـ80 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، مشددين على دورها البارز في تاريخ الكفاح الوطني وتعزيز وحدة الوطن والسعي نحو تحقيق الاستقلال والسيادة.
تجلى ذلك في مداخلات الخبراء والمشاركين في الندوة، حيث تم استعراض السياق الدولي الذي شهد نهاية الحربين العالميتين، وتأثير ذلك على المطالب الوطنية من الإصلاح إلى الاستقلال. واستعرضت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير أهمية الاحتفال بالذكريات الوطنية والأعياد في تعزيز وعي الشباب بتاريخ الوطن وقيمه. في الختام، أكد المشاركون على أهمية الحفاظ على تراث الكفاح الوطني وتوجيه الأجيال الجديدة نحو مفهوم عميق للوطنية والتحلي بالفخر بتاريخ المغرب المشرف.